أخبار الرياضة

ميندي.. رفض الوظيفة وقبل الفقر والبطالة حباً بكرة القــدم

كان الفرنسيون يتابعون منتخـب بلادهم بشغف لا مثيل له، فالديوك على أعتاب تحقيق أول بطوله كـأس عالم فى تاريخهم عندما استضافوا مونديال 1998، ومن ضمن الأشخاص الملهمين فى تلك القصة الحارس فابيان بارتيز بصلعته اللامعة ورقمه (16) المميز، والذي كان مثالاً أعلى لمجموعة من الأطفال، أحدهم إدوارد ميندي الذي كان للتو قد تجاوز 6 أعوام عندما وصل ديديه ديشان كـأس البطولة.

وأعلن أهلي جدة يـوم الأربعاء تعاقده مع الحارس الدولى السنغالي إدوارد ميندي قادماً من تشيلسى اللندني بعقد يمتد حتى 2026.

وبعيداً عن باريس ومدن فرنسا الشهيرة، اختار رجل قادم من غينيا بيساو وزوجته السنغالية التوجه إلى أقصى الشمال الفرنسي وتحديداً النورماندي، المنطقة التي شهدت أكبر إنزال عسكري عرفه التاريـخ اثناء الحرب العالمية الثانية فى أربعينيات القرن الماضي، وفي قرية مونتيفيير التي لا يتجاوز عدد سكانها ذلك الحين 17 ألفاً، أبصر إدوارد النور شهر مارس 1992.

لم يعش إدوارد فى فقر مدقع مثل أغلبية لاعــبي كرة القــدم الذين ينتمون إلى عوائل مهاجرة، بل كان يعيش فى كنف عائلة من الطبقة المتوسطة تتكون من مجموعه من الأبناء وبنت واحدة، واستطاعت ان تدخله إلى أكاديمية لوهافر الشهيرة، والتي خرجت مجموعه من نجوم كرة القــدم فى العالم حالياً أمثال ديميتري باييت لاعــب مرسيليا وفريلاند ميندي قريب إدوارد، والذي يلعــب فى ريال مدريد، وستيف مانداندا حارس مرسيليا السابق والفائز بكأس العالم 2018 مع فرنسا وبول بوغبا نجم يوفنتوس الإيطالي.

يؤمن مسؤولو الأكاديمية الشهيرة بأن ما نسبته 0.5% من الطلاب يتحولون إلى لاعبين محترفين فقط، وبالتالي فإنهم يركزون على تعليم الطالب ما دام فى الأكاديمية، إذ تم تغيير مواعيد التـدريبـات إلى المساء كي تتوافق مع اليـوم الدراسي للاعبين، بالإضافـة إلى اهتمامهم بالتحصيل العلمي، فإذا لم يكن اللاعب جيداً فى دراسته فإنه لن يحصل على دقائق لعب مع النادى.

وبعدما أمضى 7 أعوام فى الأكاديمية عندما كان يبلغ من العمر 14 عاماً اصطدم بتواجد حارس افضل منه وهو زاكاري بوشير الذي استحوذ على الخانة، ليتم تحويله إلى النادى الأدنى ، وفي 2011 يقرر الخروج إلى فريق شيربرو.

يقول جيرارد غوهل رئيس شيربرو: جاء إدوارد صغيراً، لم يلعــب فى العام الاول لأننا كنا نملك حارساً جيداً، لكنه قلب الطاولة وأصبح أساسياً فى الموسمين اللاحقين، وباتت الأعين تلاحقه، أتذكر أننا كنا نلعب فى الدرجة الثالثة وهبطنا إلى الدرجة الرابعة، وحينها قــال لي بأنه يملك عرضاً من أحد الانديه التي كانت تنافسنا فى الدرجة الثالثة.

فى صيف 2014 قــال وكيل أعماله أنه يملك عرضاً من أحد الانديه فى الدرجة الأولى الإنجليزية، وقرر إدوارد حينها رفض جميع العروض الاخرى، فجأة اختفى الوكيل، ولم يعد يرد على اتصالات الحارس، بعدها أتته رسالة نصية من طرف اداره فريق شيربو مفادها “حظاً موفقاً فى المستقبل”، وهنا عرف ميندي أنه دخل فى ورطة، فلم يبق سوى أسابيع على إستقبال طفله الاول، والوقت قد أزف، فطلب الحصول على معونة البطالة من الحكومة الفرنسية.

أمضى ميندي عاماً كاملاً يعتمد فيه على معونة الحكومة ومساعدات عائلته المالية، وعن ذلك يقول: استفدت من التعليم الجيد والشهادات التي أحملها أثناء فترتي فى الأكاديمية، وهنا نصحني شخص مقرب بتغيير مهنتي من لاعــب كرة قدم إلى موظف، بل حتى تلقيت وظيفة كمدير لمتجر ملبوسات لكني رفضتها، وعدت إلى لوهافر لأتدرب يومياً ولمدة عام بلا مرتب، حتى جاء الفرج عندما حصلت على تجربة فى مرسيليا لأكون الحارس الرابع، وأقضي الوقت مع الرديف.

يدين إدوارد بالفضل إلى المدرب الإسباني ميشيل، إذ استدعاه للتدرب مع النادى الاول، وضمه لقائمة مباراه ودية امام ترنافا السلوفاكي، وبعدها استطاع لعب 8 ماتشات مع النادى الرديف وساعده فى التأهل إلى الدرجة الأعلى، وحينها تلقى مكالمة من مدير فني حراس ريمس ليرفض الاستمرار مع مرسيليا وانتقل إلى النادى الذي ينافس فى الدرجة الثانية، ويوقع عقداً احترافياً فى عام 2016 مدته عامين مع ريمس.

مع ريمس خدمته الظروف ان يحصل على وقت لعب كاف لإظهار قدراته، طـرد الحارس جوهان كاراسكو وتقدم لحماية المرمى الذي حافظ عليه نظيفاً فى 3 مناسبات من 7 ماتشات لعبها.

فى ذلك العام كان أوسوكي والد إدوارد يعاني من مشاكل صحية وباتت أيامه معدودة، قرر حينها الحارس تمثيل منتخـب غينيا بيساو تكريماً لوالده فى نوفمبر 2016، ولعب مباراه ودية غير رسمية امام إشتوريل وبيلينينسيس البرتغاليين، وبعدها تم اختياره للعب مع المنتخـب فى كـأس إفريقيا 2017 لكنه رفض وقرر تمثيل منتخـب السنغال، البلد الذي تعود أصول والدته إليه.

وفي موسمه الثانى مع ريمس أصبج الحارس الاساسي وحافظ على نظافة شباكه فى 18 مناسبة من أصل 34 مباراه ليصعد النادى إلى الدرجة الأولى ويبقى فيها لموسم ثانِ بفضل 14 مرمي نظيفة حصل عليها إدوارد الذي قرر بعدها الانتقال إلى رين ومعه استطاع الوصول إلى دورى أبطال أبطال أوروبا بعد الحصول على المـركـز الثالث.

وبعد هدوء عاصفة فـيروس كورونـا المستجد وعودة كرة القــدم إلى الدوران، ضاق فرانك لامبارد مدير فني تشيلسى ذرعاَ بأخطاء الحارس الإسباني كيبا، وطلب المشورة من صديقه وزميله الحارس الأيقوني التشيكي بيتر تشيك، وسرعان ما رشح الأخير اسم ميندي للانضمام إلى النادى مقابلة 22 مليون جنيه إسترليني.

وعاش ميندي موسماً لا ينسى، انتصر فيه بكأس الرابطه، وأصبح أول حارس افريقى يظهر فى نهائي دورى أبطال أوروبا منذ 1985 عندما فعلها بروس غروبيلار، وقاد تشيلسى إلى الفــوز على مانشستر سيتي فى النهائى ويصبح أكثر حارس يحافظ على شباكه نظيفة فى تاريخ المسابقه بواقع 9 مرات إلى جانب الإسباني كانزاريس والكوستاريكي نافاس، وفي العام اللاحق انتصر بكأس السوبر الأوروبي مع فريقه على حساب فياريال وأتبعها بكأس العالم للأندية.

وفي العام الماضي قاد ميندي بلاده السنغال إلى أول بطوله إفريقية فى تاريخها عندما فازت على مصر بركلات الجزاء فى النهائى شهر فبراير 2022 وبعد 3 أسابيع كرر ذلك الفــوز ليقود بلاده إلى كـأس العالم فى قطر على حساب مصر ذاتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
P