أخبار عاجلة

سد النهضة والكرامة المصرية

كتب-مصطفي عمارة

عندما أعلن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر تأميم شركة قناة السويس ردا على رفض الولايات المتحدة تمويل السد العالي كان يدرك أبعاد هذا القرار واحتمالات قيام القوى الكبرى في ذلك الوقت وعلى رأسها بريطانيا وفرنسا بالعدوان على مصر لإعادة سيطرتها على قناة السويس وتحقيق اطماعها التوسعية في المنطقة ، وبالقطع فلم يكن هناك تناسب في القوى العسكرية بين قوى العدوان والقوات المصرية في ذلك الوقت التي كانت في طور التكوين إلا أن عبد الناصر راهن على إرادة الشعب المصري في التصدي لقوى العدوان رافعا كرامة وتاريخ مصر فوق كل اعتبار ، وكان الشعب المصري عند حسن ظن زعيمه فضرب أروع الأمثال في البطولة والفداء حتى أجبر قوى العدوان على الإنسحاب وخرجت مصر منتصرة في تلك الحرب منهية عصر الإمبراطورية البريطانية إلى غير رجعة وفوق ذلك حازت مصر احترام العالم وتقديره لأن العالم لا يحترم سوى الأقوياء الذين يدافعون عن مبادئهم ، وكما هزم الشعب المصري قوى العدوان عام 1956 فلقد رفض الهزيمة في 10 يونيو 1967 واستطاع بالإرادة والتصميم أن يستعيد أرضه محطما أسطورة خط بارليف ، وعقب حرب أكتوبر أدرك العدو الإسرائيلي والقوى الاستعمارية أن الانتصار على مصر عبر الغزو العسكري ضربا من المستحيل فبدأ حربا من نوع اخر من خلال الغزو الثقافي والفكري لمسخ هوية الشعب المصري الإسلامية والعربية وللأسف فلقد استطاعت إسرائيل ومن يقف ورائها من خلال هذا الغزو تحقيق ما فشلت فيه من خلال الغزو العسكري وسيطرت ثقافة الحبس والمخدرات على عقول الأجيال الجديدة في ظل أوضاع إقتصادية صعبة بعد سيطرة طبقة رجال الأعمال التي نهبت أموال الشعب على ثروات مصر ، وفي ظل هذا المناخ الذي سيطرت عليه قيم المادة وثقافة المخدرات والحبس وتقطع الاواصر الاجتماعية تم غزو لبنان والعراق وسط اعتداءات مستمرة على أهلنا في فلسطين ورويدا رويدا بدأ التفاعل الشعبي مع تلك الأحداث في ظل انشغال الطبقة الكادحة بهمومها الداخلية وكان طببعيا في ظل انقطاع التواصل الاجتماعي والتفاعل الشعبي مع قضايا العروبة والإسلام أن لا تحدث ردود فعل قوية على أدق القضايا التي تواجه وطننا وعلى رأسها قضية سد النهضة والتي استطاعت دولة كاثيوبيا تقل قوة وعددا وامكانيات أن تذل دولة كمصر صاحبة حضارة سبعة آلاف سنة وتتلاعب بها وبكرامتها رغم أنه كان واضحا منذ بداية المفاوضات أن أثيوبيا تحاول استهلاك الوقت لتحقيق هدفها من بناء سد النهضة ونجاحها في الملئ الأول والثاني للسد حتى أصبح الخيار العسكري لضرب السد من المستحيلات ، ولاشك أن نجاح أثيوبيا في مخططها سوف يلقي آثار كارثية على حياة الشعب المصري الذي يعتبر أن قضية المياه بالنسبة له حياة او موت كما أن فشل النظام المصري في منع تلك الكارثة يلقي بعلامات الاستفهام على شرعية هذا النظام لأن أي نظام يفشل في الحفاظ على مقدرات شعبه تسقط شرعيته وللأسف فإن الآثار الكارثية لبناء السد لن تنعكس فقط على حياة الشعب بل الأهم من كل هذا أنه سيفقد كرامته التي عاش شعبنا على مدار تاريخه يدافع عنها كما سنفقد أيضا احترام العالم الذي لا يحترم إلا الأقوياء الذين يدافعون عن كرامتهم وشرفهم .

مصطفى عمارة
مدير مكتب جريدة الزمان الدولية بلندن

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
P